فصل: سورة الملك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (6- 8):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)}
قوله: {يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ} بفعل ما أمركم به، وترك ما نهاكم عنه {وَأَهْلِيكُمْ} بأمرهم بطاعة الله، ونهيهم عن معاصيه {نَاراً وَقُودُهَا الناس والحجارة} أي ناراً عظيمة تتوقد بالناس وبالحجارة كما يتوقد غيرها بالحطب، وقد تقدّم بيان هذا في سورة البقرة. قال مقاتل بن سليمان: المعنى: قوا أنفسكم وأهليكم بالأدب الصالح النار في الآخرة.
وقال قتادة، ومجاهد: قوا أنفسكم بأفعالكم، وقوا أهليكم بوصيتكم. قال ابن جرير: فعلينا أن نعلم أولادنا الدين والخير، وما لا يستغنى عنه من الأدب، ومن هذا قوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا} [طه: 132] وقوله: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} [الشعراء: 224]. {عَلَيْهَا مَلَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ} أي: على النار خزنة من الملائكة يلون أمرها وتعذيب أهلها، غلاظ على أهل النار شداد عليهم لا يرحمونهم إذا استرحموهم؛ لأن الله سبحانه خلقهم من غضبه، وحبب إليهم تعذيب خلقه، وقيل: المراد غلاظ القلوب: شداد الأبدان، وقيل: غلاظ الأقوال شداد الأفعال، وقيل: الغلاظ: ضخام الأجسام، والشداد: الأقوياء {لاَّ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ} أي: لا يخافونه في أمره، و{ما} في {مَا أَمَرَهُمْ} يجوز أن تكون موصولة، والعائد محذوف، أي: لا يعصون الله الذي أمرهم به، ويجوز أن تكون مصدرية، أي: لا يعصون الله أمره على أن يكون ما أمرهم بدل اشتمال من الاسم الشريف، أو على تقدير نزع الخافض، أي: لا يعصون الله في أمره {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} أي: يؤدّونه في وقته من غير تراخ لا يؤخرونه عنه ولا يقدّمونه. {يأَيُّهَا الذين كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ اليوم} أي: يقال لهم هذا القول عند إدخالهم النار تأييساً لهم وقطعاً لأطماعهم {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} من الأعمال في الدنيا، ومثل هذا قوله: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ الذين ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [الروم: 57]. {يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً} أي: تنصح صاحبها بترك العود إلى ما تاب عنه، وصفت بذلك على الإسناد المجازي، وهو في الأصل وصف للتائبين أن ينصحوا بالتوبة أنفسهم بالعزم على الترك للذنب، وترك المعاودة له.
والتوبة فرض على الأعيان. قال قتادة: التوبة النصوح الصادقة، وقيل: الخالصة.
وقال الحسن: التوبة النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره.
وقال الكلبي: التوبة النصوح: الندم بالقلب، والاستغفار باللسان، والإقلاع بالبدن، والاطمئنان على أن لا يعود.
وقال سعيد بن جبير: هي التوبة المقبولة. قرأ الجمهور: {نصوحاً} بفتح النون على الوصف للتوبة، أي: توبة بالغة في النصح، وقرأ الحسن، وخارجة، وأبو بكر عن عاصم بضمها، أي: توبة نصح لأنفسكم، ويجوز أن يكون جمع ناصح، وأن يكون مصدراً يقال: نصح نصاحة ونصوحاً.
قال المبرّد: أراد توبة ذات نصح {عسى رَبُّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سيئاتكم وَيُدْخِلَكُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} بسبب تلك التوبة، وعسى وإن كان أصلها للإطماع، فهي من الله واجبة؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ويدخلكم معطوف على يكفر منصوب بناصبه، وبالنصب قرأ الجمهور، وقرئ بالجزم عطفاً على محل عسى، كأنه قال: توبوا يوجب تكفير سيئاتكم، ويدخلكم {يَوْمٌ لاَّ يُخْزِى الله النبى} الظرف متعلق ب {يدخلكم}، أي: يدخلكم يوم لا يخزي الله النبي {والذين ءامَنُواْ مَعَهُ} والموصول معطوف على النبي، وقيل: الموصول مبتدأ، وخبره: {نُورُهُمْ يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمانهم} والأوّل أولى، وتكون جملة {نُورُهُمْ يسعى} في محل نصب على الحال، أو مستأنفة لبيان حالهم، وقد تقدّم في سورة الحديد أن النور يكون معهم حال مشيهم على الصراط، وجملة {يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا واغفر لَنَا إِنَّكَ على كُلّ شَئ قَدِيرٌ} في محل نصب على الحال أيضاً، وعلى الوجه الآخر تكون خبراً أخر، وهذا دعاء المؤمنين حين أطفأ الله نور المنافقين، كما تقدّم بيانه وتفصيله.
وقد أخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه عن عليّ بن أبي طالب في قوله: {قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} قال: علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدّبوهم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، وأمروا أهلكم بالذكر ينجكم الله من النار.
وأخرج عبد بن حميد عنه في الآية قال: أدّبوا أهليكم.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن أبي عمران الجوني قال: بلغنا أن خزنة النار تسعة عشر ما بين منكب أحدهم مسيرة مائة خريف ليس في قلوبهم رحمة إنما خلقوا للعذاب، يضرب الملك منهم الرجل من أهل النار الضربة فيتركه طحناً من لدن قرنه إلى قدمه.
وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وهناد، وابن منيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن النعمان بن بشير أن عمر بن الخطاب سئل عن التوبة النصوح، قال: أن يتوب الرجل من العمل السيء، ثم لا يعود إليه أبداً.
وأخرج أحمد، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التوبة من الذنب أن يتوب منه، ثم لا يعود إليه أبداً»، وفي إسناده إبراهيم بن مسلم الهجري، وهو ضعيف، والصحيح الموقوف، كما أخرجه موقوفاً عنه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: التوبة النصوح تكفر كلّ سيئة، وهو القرآن، ثم قرأ هذه الآية.
وأخرج الحاكم، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله: {يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى} الآية قال: ليس أحد من الموحدين إلاّ يعطى نوراً يوم القيامة، فأما المنافق فيطفأ نوره، والمؤمن مشفق مما رأى من إطفاء نور المنافق، فهو يقول: {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا}.

.تفسير الآيات (9- 12):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)}
قوله: {ياأيها النبى جاهد الكفار والمنافقين} أي: بالسيف والحجة، وقد تقدّم الكلام على هذه الآية في سورة براءة {واغلظ عَلَيْهِمْ} أي: شدّد عليهم في الدعوة، واستعمل الخشونة في أمرهم بالشرائع. قال الحسن: أي: جاهدهم بإقامة الحدود عليهم، فإنهم كانوا يرتكبون موجبات الحدود {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} أي: مصيرهم إليها، يعني: الكفار والمنافقين {وَبِئْسَ المصير} أي: المرجع الذي يرجعون إليه. {ضَرَبَ الله مَثَلاً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ} قد تقدّم غير مرّة أن المثل قد يراد به إيراد حالة غريبة يعرف بها حالة أخرى مماثلة لها في الغرابة، أي: جعل الله مثلاً لحال هؤلاء الكفرة، وأنه لا يغني أحد عن أحد {امرأت نُوحٍ وامرأت لُوطٍ} هذا هو المفعول الأوّل، و{مثلاً} المفعول الثاني حسبما قدّمنا تحقيقه، وإنما أخر ليتصل به ما هو تفسير له، وإيضاح لمعناه {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صالحين} وهما نوح ولوط، أي: كانتا في عصمة نكاحهما {فَخَانَتَاهُمَا} أي: فوقعت منهما الخيانة لهما. قال عكرمة، والضحاك: بالكفر، وقيل: كانت امرأة نوح تقول للناس إنه مجنون، وكانت امرأة لوط تخبر قومه بأضيافه، وقد وقع الإجماع على أنه ما زنت امرأة نبيّ قطّ. وقيل: كانت خيانتهما النفاق، وقيل: خانتاهما بالنميمة {فَلَمْ يُغْنِينَا عَنْهُمَا مِنَ الله شَيْئاً} أي: فلم ينفعهما نوح ولوط بسبب كونهما زوجتين لهما شيئًا من النفع، ولا دفعا عنهما من عذاب الله مع كرامتهما على الله شيئًا من الدفع {وَقِيلَ ادخلا النار مَعَ الدخلين} أي: وقيل لهما في الآخرة، أو عند موتهما: ادخلا النار مع الداخلين لها من أهل الكفر والمعاصي.
وقال يحيى بن سلام: ضرب الله مثلاً للذين كفروا يحذر به عائشة وحفصة من المخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين تظاهرتا عليه. وما أحسن من قال: فإن ذكر امرأتي النبيين بعد ذكر قصتهما ومظاهرتهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرشد أتمّ إرشاد، ويلوّح أبلغ تلويح إلى أن المراد تخويفهما مع سائر أمهات المؤمنين، وبيان أنهما وإن كانتا تحت عصمة خير خلق الله وخاتم رسله، فإن ذلك لا يغني عنهما من الله شيئًا، وقد عصمهما الله عن ذنب تلك المظاهرة بما وقع منهما من التوبة الصحيحة الخالصة. {وَضَرَبَ الله مَثَلاً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ امرأة فِرْعَوْنَ} الكلام في هذا كالكلام في المثل الذي قبله أي: جعل الله حال امرأة فرعون مثلاً لحال المؤمنين ترغيباً لهم في الثبات على الطاعة والتمسك بالدين، والصبر في الشدّة، وأن صولة الكفر لا تضرّهم، كما لم تضر امرأة فرعون، وقد كانت تحت أكفر الكافرين، وصارت بإيمانها بالله في جنات النعيم {إِذْ قَالَتْ رَبّ ابن لِى عِندَكَ بَيْتاً في الجنة} الظرف متعلق بضرب، أو بمثلاً، أي: ابن لي بيتاً قريباً من رحمتك، أو في أعلى درجات المقربين منك، أو في مكان لا يتصرّف فيه إلاّ بإذنك، وهو الجنة {وَنَجّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ} أي: من ذاته وما يصدر عنه من أعمال الشرّ {وَنَجّنِى مِنَ القوم الظالمين} قال الكلبي: هم أهل مصر.
وقال مقاتل: هم القبط. قال الحسن، وابن كيسان: نجاها الله أكرم نجاة، ورفعها إلى الجنة فهي تأكل وتشرب. {وَمَرْيَمَ ابنت عِمْرَانَ التي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} معطوف على امرأة فرعون، أي: وضرب الله مثلاً للذين آمنوا مريم ابنة عمران، أي: حالها وصفتها، وقيل: إن الناصب لمريم فعل مقدّر أي: واذكر مريم، والمقصود من ذكرها: أن الله سبحانه جمع لها بين كرامة الدنيا والآخرة، واصطفاها على نساء العالمين مع كونها بين قوم كافرين {التى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} أي: عن الفواحش، وقد تقدّم تفسير هذا في سورة النساء. قال المفسرون: المراد بالفرج هنا الجيب لقوله: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} وذلك أن جبريل نفخ في جيب درعها فحبلت بعيسى {وَصَدَّقَتْ بكلمات رَبَّهَا} يعني: شرائعه التي شرعها لعباده، وقيل: المراد بالكلمات هنا هو قول جبريل لها: {إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ} الآية [مريم: 19].
وقال مقاتل: يعني بالكلمات: عيسى. قرأ الجمهور: {وصدّقت} بالتشديد، وقرأ حمزة الأموي، ويعقوب، وقتادة، وأبو مجلز، وعاصم في رواية عنه بالتخفيف. وقرأ الجمهور: {بكلمات} بالجمع، وقرأ الحسن، ومجاهد، والجحدري: {بكلمة} بالإفراد. وقرأ الجمهور: {وكتابه} بالإفراد، وقرأ أهل البصرة، وحفص: {كتبه} بالجمع، والمراد على قراءة الجمهور: الجنس، فيكون في معنى الجمع، وهي الكتب المنزلة على الأنبياء {وَكَانَتْ مِنَ القانتين} قال قتادة: من القوم المطيعين لربهم.
وقال عطاء: من المصلين، كانت تصلي بين المغرب والعشاء، ويجوز أن يراد بالقانتين: رهطها وعشيرتها الذين كانت منهم، وكانوا مطيعين أهل بيت صلاح وطاعة، وقال: {من القانتين}، ولم يقل من القانتات؛ لتغليب الذكور على الإناث.
وقد أخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله: {فَخَانَتَاهُمَا} قال: ما زنتا: أما خيانة امرأة نوح، فكانت تقول للناس: إنه مجنون؛ وأما خيانة امرأة لوط: فكانت تدل على الضيف، فتلك خيانتهما.
وأخرج ابن المنذر عنه: قال: ما بغت امرأة نبيّ قط، وقد رواه ابن عساكر مرفوعاً.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب عن سلمان قال: كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس، فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنة.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة: أن فرعون وتد لامرأته أربعة أوتاد، وأضجعها على ظهرها، وجعل على صدرها رحى، واستقبل بها عين الشمس، فرفعت رأسها إلى السماء، فقَالَت {رَبّ ابن لِى عِندَكَ بَيْتاً في الجنة} إلى قوله: {مِنَ الظالمين} ففرج الله لها عن بيتها في الجنة فرأته.
وأخرج أحمد، والطبراني، والحاكم، وصححه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون مع ما قص الله علينا من خبرها في القرآن قالت: {رَبّ ابن لِى عِندَكَ بَيْتاً}» الآية.
وفي الصحيحين، وغيرهما من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلاّ آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام».
وأخرج وكيع في الغرر عن ابن عباس في قوله: {وَنَجّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ} قال: من جماعته.

.سورة الملك:

وتسمى سورة تبارك، والواقية، والمنجية، والمانعة.
وهي ثلاثون آية.
وهي مكية.
قال القرطبي: في قول الجميع.
وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت بمكة سورة تبارك الملك.
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن الضريس والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له: {تبارك الذي بيده الملك}». قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه والضياء في المختارة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سورة في القرآن خاصمت على صاحبها حتى أدخلته الجنة: {تبارك الذي بيده الملك}».
وأخرج الترمذي والحاكم وصححه وابن مردويه وابن نصر والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر، وهو لا يحسب أنه قبر، فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر». قال الترمذي بعد إخراجه: هذا حديث غريب من هذا الوجه.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تبارك هي المانعة من عذاب القبر».
وأخرجه أيضا النسائي وصححه والحاكم.
وأخرج ابن مردويه عن رافع بن خديج وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أنزلت علي سورة تبارك- وهي ثلاثون آية- جملة واحدة وهي المانعة في القبور».
وأخرج عبد بن حميد في مسنده والطبراني والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال لرجل: ألا أتحفك بحديث تفرح به؟ قال: بلى. قال: اقرأ {تبارك الذي بيده الملك} وعلمها أهلك وجميع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك؛ فإنها المنجية والمجادلة تجادل يوم القيامة عند ربها لقارئها وتطلب له أن ينجيه الله من عذاب النار وينجو بها صاحبها من عذاب القبر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي».